بـيـتـي شباز يا لها من امرأة مسلمة

بـيـتـي شباز؟ يا لها من امرأة مسلمة! – عمران حسين

مقالات- المرأة في الإسلام

الأحد 22 ربيع الأول 1426

الأحد 1 مايو 2005

حتى بعد مرور 40 عاماً فإنه يتوجب علينا أثناء تذكرنا لمالكوم إكس أن نتذكر ونـُـجـِـل زوجته الحبيبة بيتي شباز(Betty Shabazz). لقد التقيتها مرتين، وكانت في المرة الثانية ممدة في نعشها بجانب قبر مالكوم، ولقد شرفتني بناتها الستة بطلبهن أن أقوم بتلاوة آيات من القرآن الكريم هناك وأن أقوم بتأدية صلاة الجنازة على جثمانها قبل مواراتها في قبر زوجها.

 

أتذكر أنني كنت أرتجف كورقة شجر عندما وقفت بجانب قبر مالكوم للمرة الأولى، وعندما شاهدت زوجته الحبيبة تلتحق به بعد أن عانت مـِـحـَـنا ً ومصائبا ً جسيمة للغاية في حياتها.

لقد كانت الصفة الغالبة على حياتها بعد موت مالكوم هي وفاؤها الشديد وتفانيها الذي لم يتزعزع لذكرى زوجها ولرسالته في الحياة، وهذا يعيدني لأول لقاء جمعني بها وهو موضوع مقالتي هذه.

 

كان ذلك يوم 22 سبتمبر 1996 ، قبل ثمانية أشهر فقط من وفاتها، ولقد تم اصطحابي إلى مؤخرة قاعة كبيرة في وسط مدينة مانهاتن \نيورك حتى يتم تقديمي لها بشكل رسمي. لم تقم بالابتسام لتُـحـيـيني، فقد كان فيها شيء ما يشعرك بالبعد ويوقع في النفس الشعور بالعزلة، وكأنها تنتمي لمكان وزمان بعيدين عنا، لم تكن من النساء اللواتي يشعرنك بالألفة والرحابة في حضرتهن. ولكنني تمكنت من استشعار صلابتها الهادئة وقوتها أثناء انتظارها في صبر غير محدود حلول الوقت الذي ستتمكن فيه من العودة إلى صحبة زوجها الحبيب.

جلست بيتي في مؤخرة القاعة وشرحت لي بهدوء، لتمكنني من أكون قادراً على القيام بالتقييم بشكل أفضل للمتحدثين الأربعة الذين تم تثبيتهم على جدول الحفل ليقوموا بإلقاء الكلمات حول الموضوع الصعب في تلك الليلة: “ما بعد مالكوم إكس – مستقبل القيادة الإسلامية في شمال أمريكا”.

كانت بيتي قد سمعت بي، وبأصولي الترينيدادية (من ترينيداد في البحر الكاريبي)، وبـِـصِلاتي الوثيقة في نيويرك وأماكن أخرى مع زوجها، وكانت متشوقة جداً للاستماع لما سأقوله في تلك الليلة عن الموضوع المطروح.

قمت بتكريس نفسي في الخطاب الذي ألقيته لوصف الإيمان الراسخ بالله، الذي كان الجوهر الحقيقي لذلك الرجل، فقد عاش لله ومات في سبيل الله، وكان ذلك النموذج الذي احتاجته شمال أمريكا للقيادة الإسلامية.

 

لكني قمت كذلك بأخذ بعض الوقت خصيصا ً لأ ُسهب الحديث عن نزاهته منقطعة النظير. لقد كان التزامه الشديد بالحق والعدالة كبيراً جداً لدرجة جعلته يمقت الانتهازية والنفعية، وهكذا فقد كانت القيم التي تمسك بها في حيات نابعة من صميم قلب الإسلام.

ثم قمت بإبداء ملاحظة عن مالكوم وبأنه ربما لم يكن يعلم بحُكم تحريم الرّبا في الإسلام (إقراض واستلاف المال بفائدة)، وهل كان لنا من طريقة أخرى لتفسير تعليق أليكس هالي في “السيرة الذاتية” (كتاب السيرة الذاتية لحياة مالكوم إكس، تأليف مشترك بين مالكلوم إكس والصحفي آليكس هالي Alex Haley) والذي يقول فيه أن مالكوم قد أخذ منه قرضاً حتى يتمكن من تسديد الدفعة الأولى لمنزل في إيلمهيرست- نيورك، بعد أن تعرض منزله للرمي بالقنابل الحارقة على يد أعدائه في ما يسمى بتنظيم أمة الإسلام! وكان تعليقي ذلك (موضوع الرّبا) ما أوقعني في المتاعب لاحقاً.

 

بعد أن أنهى المتحدثون الأربعة كلماتهم، تقدمت بيتي ببطء ٍ وتأنٍ شديد نحو المنصة الأمامية حتى تخاطب الجمع. بدأت باقتباس كلماتي ” قال الإمام أن زوجي عاش حياته لله و قال الإمام أن زوجي قد مات في سبيل الله، الإمام مـُـحـِـق”، ولكن بعد ذلك استدارت حتى تواجهني ونظرت في عيني مباشرة ً لتؤكد على أمر بتحد ٍ كبير فقالت:” ولكن يا إمام زوجي لم يوقع على الاتفاقية، فقد توفي قبل أن يتمكن من ذلك، وبالتالي فهو لم يقع في الرّبا!”

فقط بعد أن قامت بالدفاع عن زوجها بذلك الحماس البالغ تمكنت من أن تهدأ. ولكن الطريقة التي نظرت بها إليّ (وكأنها تقول إيّاك وأن تجرؤ على انتقاد زوجي!) كان لها وقع كبير عليّ جعلني أحتاج لوقت أطول حتى أهدأ أنا الآخر.

 

قـلّما شهدتُ في حياتي على الإطلاق إخلاصاً عميقا ً ومتقداً لذكرى وإرث قائد ما. ولقد تركت هي بدورها مثالاً متلألئاً للنساء المسلمات اليوم.

تابعت حديثها مدافعة ً عن قادةٍ مسلمين ممن يتصفون بالشجاعة والنزاهة، رجال كزوجها، ممّن يتحدون الظالمين في هذا العالم، ولكنها كذلك تحدثت عن الإيمان وعن السعي نحو المعرفة.

 

في وقت لاحق ذلك المساء بعد أن تركتُ القاعة والتحقتُ بارتباط آخر لي، قامت بيتي بتوقيع نسخة من كتاب “السيرة الذاتية” لزوجها ماكوم إكس. وهذا ما كتبته لي: ” أنت قائد للرجال والنساء من جميع الأعمار وفي جميع العصور، أرجو أن يرشداك سلام وبركة الله على الدوام”، وقامت بالتوقيع: الحاجة ب.شباز\ مدام مستر إكس.

لقد جعل ذلك عيناي تدمعان.

أدعو الله أن يجعل قبرهما المشترك واسعا ً، بردا ً سلاما ً، فـسـيـحـا ً عليهما، وأن يملأه ُ الله بالنور وأن يرقدا معا ً في سلام للأبد. آمين!

بيتي شباز: مربية وناشطة أمريكية  في مجال الحقوق المدنية ومناهضة التمييز العنصري ضد السود في العالم، و زوجة مالكوم إكس.