القمار على سبيل المثال قد تمت ترقيته إلى درجة من الاحترام جعلت الحكومات حول العالم اليوم تقوم بالتنسيق لليانصيب الذي ترعاه الدول صاحبة تلك الحكومات، وهكذا فإن مانواجهه الآن ليس فقط إنكاراً للرب القدير (الكفر به) بل إننا نشهد حرباً على النهج الديني في الحياة
وفي هذا السياق فإنه يتوجب علينا أن نمعن النظر في الجهود المبذولة لتشريع الإجهاض وفهم الموضوع
لقد لجأ العالم المسلم المرموق الدكتور محمد فضل الرحمن ألانصاري رحمه الله (1914 – 1973) إلى مبدأ “الضرورات تبيح المحظورات” ليقر بأن الإجهاض مباح في الحالات التي تكون فيها حياة الأم مهددة بالخطر في حالة احتفاظها بالجنين لوقت الولادة
إن وجود “سبب شرعي عادل” يبرر إباحة إنهاء حياة الطفل الذي لم يولد بعد (الجنين). كما أنه يمثل الخيار الأقل أذى بين الخيارين المؤذيين موت الأم أوموت الجنين
وفيما يتعلق بموضوع اللجوء إلى فقه “الضرورات تبيح المحظورات” في حالات الحمل الذي يحدث نتيجة الاغتصاب أو سفاح القربى، أو في حالة اكتشاف أن الجنين يعاني من تشوهات خطيرة جداً، فإن كل ذلك النقاش يمكننا دراسته ومناقشته تحليلياً في سياق آخر غير سياق هذه المقالة
والآن دعونا نعالج الموضوع في طرح وسياق هذه المقالة
إن معظم من يلجؤون للإجهاض في هذا العصر الكافر بخالقه يقومون بذلك بسبب ضائقة مالية أو لأسباب تتعلق بالراحة والرفاهية مثل “مستوى المعيشة”، “عدم وجود وقت كافٍ لتكريسه للأطفال”، ” الحمل غير المخطط له”، “العلاقات خارج الزواج التي فشلت في الاستمرار وتحولت إلى نكد “، “او “الرأي العام” الذي سوف يعبس في وجه الأطفال المولودين خارج إطار الزواج وينبذهم وإلى آخره من الأسباب
ولكن كل تلك الأسباب تُظهر الجهل بحقيقة الموضوع، فقد وجه القرآن الكريم تحذيراً منذراً بالسوء لأولئك الذين يلجؤون للإجهاض لأسباب كتلك
قال تعالى في سورة الأنعام
“قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاء عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ” الآية 140
و لقد قدم القرآن الكريم النصيحة إلى الناس في سورة الأنعام
” قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” الآية 151
وأكد القرآن صراحة وبشكل لافت بأن الخالق الذي منح نعمة الحياة وحده لا شريك له في ذلك هو كذلك سوف يُعيل ويرزق كل المخلوقات التي خلقها. قال تعالى في سورة هود:
” وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ” الآية 6
ثم حذرنا القرآن الكريم مرة أخرى بقول الله تعالى في سورة بني إسرائيل (سورة الإسراء)
” وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا
وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً
وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا” الآيات 31 إلى 39
سوف يكون هناك من سيستجيبون لذلك التأثير المترتب على إنجاب الأطفال (وهو أن الله تعالى سوف يرزقهم لأنه أخبرنا أنه هو الرزاق لكل طفل يولد). ولكن الحقيقة المرة هي أن هناك من لا يملك الموارد الكافية لإطعام طفل آخر! وبدلاً من أن يقوموا برفض كلام الله تعالى ظانين أنه غير صحيح فإن الأجدى بهم أن يقوموا بطرح التساؤل التالي
إذا كان الله تعالى يرسل الطعام (يرزق) وإذا نحن (من ينجبون الأطفال) لم نحصل عليه، فمن أخذ هذا الطعام (الرزق) إذن؟
إن طرحهم لذلك السؤال سوف يفتح لهم الباب لفهم موضوع تحريم الربا في الإسلام (تحريم إقراض واقتراض المال بفائدة، وكذلك كل المعاملات المالية التي تسرق جيوب الناس)، وذلك الفهم بدوره سوف يشرح لهم نظام العبودية الاقتصادية الجديد والذي بدأ بالهبوط على رؤوس الجماهير حول العالم. (توضيح: سوف نعرف عندها لماذا نحن في فقر وان ذلك بسبب رضائنا وتعاملنا وتعاطينا في النظام الاقتصادي الربوي الذي يسرق اموالنا ويزيل البركة منها قبل كل شيء ويسبب غضب الله علينا وعقابه لنا بنسياننا كما نسيناه ونسياننا وتجاهلنا اوامره)
إن الإسلام يعامل الجنين على أنه كائن بشري (إنسان) وذلك بمجرد مرور 40 يوماً على حدوث الحمل (منذ بداية تخصيب البويضة) حيث أن الملك الموكل يقوم في ذلك الوقت بنفخ الروح في البويضة المخصبة في رحم الأم
لقد ذكر القرآن الكريم لنا معرفة دقيقة ومفصلة (تم إثباتها فقط عبر علم الأجنة الحديث) بالمراحل والأطوار التي تمر فيها البويضة المخصبة قبل أن تتحول إلى كائن بشري يخرج للحياة
إن حدث الإجهاض (دون سبب وجيه وعادل) قبل حلول اليوم الأربعين فإن ذلك سوف يشكل خطيئة تتعامل معها المحكمة الإلهية، ولكن إن حدث الإجهاض بعد ذلك الوقت فإنه سوف يشكل عملاً إجرامياً ذا عواقب تتطلب استجابة قضائية للتعامل معه
تأملوا ما يلي
قامت امرأة بضرب امرأة أخرى بمرقاق العجين (الشوبك) وأردتها قتيلة هي والطفل الذي كانت تحمله في رحمها. ولقد حكم الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يتم دفع دية بسبب إنهاء حياة الجنين التي قُتل في رحم أمه، وكانت الفدية بحسب التشريع السائد حينها عبداً ذكراً أو أنثى من أحسن ما يكون، كما حكم على المرأة القاتلة بالإعدام
كما أمرنا رسولنا الكريم بأن نقوم بأداء صلاة الجنازة على أي سقط (جنين يموت قبل الولادة) راجين بذلك من الله تعالى أن يغفر لوالديه وينزل عليهم رحمته
إن إنهاء حياة كائن بشري دون سبب عادل هو بالتأكيد جريمة شنيعة وعندما يتم ارتكاب هذا العمل بلا تعمد فإن عائلة الشخص المقتول سوف تستحق التعويض (الدية). وإن الحالة المذكورة أعلاه تؤكد على أن الطفل الجنين الذي يتم إنهاء حياته بشكل غير متعمد يستحق نفس الحق كذلك
وبالطبع فإنه في حالة القتل العمد فمن المفترض أن يتم تطبيق قانون العدل الإلهي “القاتل يُقتل” وبذلك فعندما يقوم طبيب بإنهاء حياة الجنين “كائن بشري” دون سبب عادل ووجيه يتوجب تطبيق الشرع على الطبيب كذلك ، وإن لم يتم معاقبته في هذا العالم المنكر للرب القدير فإن عقوبته سوف يتم تقريرها وإنزالها به من الأعلى وسوف تكون عقوبة فظيعة
إن قتل إنسان مؤمن (بالرب الواحد الحق) دون وجه حق يعتبر جريمة أعظم. وما ذكر أعلاه هو دليل مفاجئ ولافت على أن الطفل الذي يموت قبل ولادته (الجنين) هو إنسان مؤمن ويتمتع بكامل الحقوق التي يتمتع بها البشر المؤمنون، ويحق له الحصول جنازة ملائمة، وهكذا فإن قتل الجنين (اي البويضة المخصبة التي وصلت لمرحلة الكائن البشري) عبر عملية الإجهاض ودون وجود سبب عادل سوف يشكل خطيئة أعظم وإن عقوبة تلك الجريمة ستكون فظيعة للغاية
حكومات البلاد التي تشرع الإجهاض (دون وجود سبب وجيه وعادل) سوف تكون خاطئة ومذنبة بشكل هائل،وسوف ترتكب جريمة خطيرة جداً ومن الكبائر
وإن اولئك الذين يشاركون في الانتخابات لإيصال حكومات كتلك إلى سدة الحكم سوف يشكلون هم بدورهم جزءاً من تلك الخطيئة الكبيرة والجريمة البشعة وسوف يدفعون الثمن باهظاً
أما من يدلون بأصواتهم الانتخابية وهم على علم ودراية بتلك الأمور والتفاصيل فإنهم عند قيامهم بالتصويت لصالح الأحزاب السياسية التي ستشكل لاحقاً بعد فوزها حكومات تترأس وتتزعم مشاريع قوانين تشريع الإجهاض (دون سبب عادل)، سوف يكونون بدورهم شركاء مباشرين في تلك الخطيئة الجسيمة والكبيرة وسوف يدفعون الثمن غالياً لقاء جريمتهم. في الحقيقة فإنهم سيرتكبون الذنب الأكبر على الإطلاق: أي الشرك بالله تعالى (تعليق: تصويتهم في الانتخابات يعني رضائهم ودعمهم للقوانين البشرية التي تحل مكان التشريع الالهي)
لقد قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام وصفاً درامياً لشخصية الطفل الذي لم يولد بعد، وذلك الوصف سوف يعلق في أذهان أطباء الإجهاض ويلاحقهم دائماً ، ” ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث (أي لم يبلغوا الحلم فتكتب عليهم آثام) إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم” متفق عليه ، وقد سئل الرسول وطفلان؟ قال نعم وسئل وطفل واحد فقال: ” والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره (أي حبله السري) إلى الجنة إذا احتسبته” ، ذلك جزاء المرأة الصابرة على ذلك البلاء عندما تقابل ربها وتسأله عن جزائها
لدى الجنين الذي توفي قبل ولادته منزلة عظيمة عند ربه! لدرجة أنه يستطيع أن يتجادل مع الله تعالى نيابة عن والديه الذين تم اقتيادهما إلى نار جهنم، وهو يستطيع أن يخرجهما من النار بحبله السري
إذا كان ذلك الطفل يستطيع أن يفعل ذلك فما عساه يفعل بأحد والديه أو كلاهما ممن قاموا بقتله بكل وحشية عن طريق الإجهاض؟ أو بالطبيب الذي قام بعملية الإجهاض؟ أو بالدولة والحكومة التي ترأست مشاريع قوانين شرعنة الإجهاض الذي حرمه الله سبحانه و تعالى؟
لقد أدرك المسلمون منذ زمن بعيد أنهم لن يتمكنوا من إيقاف الزحف العالمي نحو إنكار الرب القدير والكفر به في يومنا هذا، ولكن على كل حال فإن المسلمين يصرون على أنهم لا يرغبون في أن يكونوا جزءاً من هذا العالم الكافر المنكر لخالقه القدير
وهذا أحد الأسباب التي دعت إلى تأسيس قرى إسلامية تخاف الله تعالى في أماكن بعيدة جداً عن هذه الحضارة