عندما يمضي الوقت بسرعة

عندما يمضي الوقت بسرعة – عمران حسين

مقالات – علامات اليوم الآخر

السبت 27 رجب 1428 هــ

السبت 11 أغسطس 2007

إن “تقارب الزمان” هو أحد علامات اليوم الآخر التي كشفها لنا الرسول الكريم محمد –صلى الله عليه وسلم- حيث قال في الحديث:” لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة”. (معنى احتراق السعفة أي مدة بسيطة من الوقت كافية لإشعال النار)

ما سبب حدوث ذلك؟ لقد شرح لنا رسولنا بأن الإحساس بسرعة مرور الوقت سوف يظهر جراء انصراف القلب عن ذِكر الله -سبحانه وتعالى- و انشغال القلب وانهماكه في شؤون الحياة الدنيا الـمٌـتَـملّـكة له بالكامل

من إحدى تبعات ذلك الفراغ الروحي ضياع الأمانة، كما في حديث البخاري عن الرسول –عليه السلام- :” … فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فـيُـقال إن في بني فلان رجلاً أميناً ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه، حبة من خردل من إيمان”

 

كما حذرنا الرسول المبارك من أن ذلك الزمان سوف يكون زمن فتن كثيرة. قال عليه السلام:  ” تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نُكت فيه نُكتة سوداء وأي قلب أنكرها نُكت فيه نُكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين : على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف مَعروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه “
تعليق: كالحصير يعني عدد كبير جداً، حتى تصير القلوب على قلبين يعني تنقسم البشرية إلى صنفين، أسود مرباداً يعني شديد الظلمة والسواد، كالكوز مجخيـّـأً يعني مثل الكوب المقلوب نحو الأسفل فلا يمكن أن يدخله الماء (الحق) والمقصود ليس فيه خير إطلاقاً، إلا ما أشرب من هواه: أي ما وافق أهواءه مما لايتوافق مع الحق

لا يوجد مجال للشك أبداً بأن هذا الزمان المُسمّى بزمن ” التقدم” هو حقيقة بالتأكيد الزمن الذي ظهرتفيه علامات اليوم الآخر. هذا هو عصر اللادينية (الانفصال عن الدين)، حتى الدول أصبحت علمانية وبذلك فإن السياسة كذلك علمانية، والاقتصاد علماني والتعليم وأسواق التجارة ووسائل الإعلام والرياضة والترفيه . . . حتى غرفة الطعام وغرفة النوم تم فصلهما اليوم عن الدين .تعليق: لم يعد الحس الديني ظاهراً في حياة البشر

إن بداية الفكر العلماني هي “إقصاء الرب القدير” (فصل الدين عن الحياة)، ولكنه يتوج في النهاية بــ “إنكار الرب القدير” ! كيف ذلك؟

 

عندما يتم فصل العلم والمعرفة عن الدين (علمنة المعرفة)، فإن ذلك يقود إلى الاعتقاد بأن المعرفة تأتي من مصدر واحد فقط وهو الملاحظة الخارجية، والاستقصاء العقلاني (العقلانية البحتة) وإن نتيجة تبني هذه النظرية المعرفية (النظرة المادية البحتة للأمور) هي كالتالي: بما أن هذا العالم المادي الموجود حولنا هو العالم الوحيد الذي بإمكاننا “إدراكه” ومعرفته بهذه الطريقة، فذلك يعني تباعاً بأن هذا العالم هو العالم الوحيد “الموجود” حقيقة

 

وبما أن العلمانية (فصل الدين عن الحياة) تقود حتماً إلى المادية (المنهج المادي في التفكير)، وتؤدي إلى القبول – لجميع الغايات العملية-  بأنه لا يوجد حقيقة أخرى خلف الحقيقة المادية. أي أن أي شيء غير مادي أو أي شيء روحي لا يمكن إثباته بشكل مادي فهو إذن غير موجود

ولقد قادت المادية (كمنهج معرفي وفكري) بطبيعة الحال إلى عالم من الطمع والكذب والعلاقات الجنسية المحرمة، وانعدام العدالة، والظلم، وإنكار الرب القدير (الكفر)، وحدوث الفتن العظيمة، لأنه لا يمكن أبداً المحافظة على الأسس الأخلاقية للمجتمع دون حضور الجوهر الروحي للدين. وإن عالماً كهذا العالم لن يكلف نفسه بتاتاً عناء القيام بأمر مثل “ذِكر” الله سبحانه و تعالى

 

ما هو “الذّكر”؟ عندما يقوم رجل ما بزيارة امرأة يحبها في قلبه زيارة قلبية فإنه يحس بارتجاف في قلبه، وكأن عطراً فاتناً قد أحاط قلبه بشذاه، وهذا يحدث كل مرة! عندما يسمع اسمها يُذكر على مسامعه فإنه يمر بنفس الشعور مرة أخرى

هذا شكل من أشكال “الذِكر” ! من الواضح أن “الذِكر” يحدث فقط عندما يكون هناك حب حقيقي، وهكذا فعندما يخلو القلب من حب الله تعالى فإن الوقت سوف يمر بسرعة أكبر وأكبر في حياة صاحب ذلك القلب، كما سيترتب على ذلك أيضاً أن وجود الحب الخالص لله تعالى في القلب سيسمح للحق بالدخول للقلب وتملكه بالكامل ويجعل الوقت يمضي بشكل أبطأ وأبطأ، إلى أن ينقلنا ذلك الحق إلى عالم لا وجود للوقت فيه