ظاهر الأمر وحقيقته في حياة ابن مريم عليهما السلام

ظاهر الأمر وحقيقته في حياة ابن مريم عليهما السلام – عمران حسين

مقالات – فهم الإسلام

الأحد 22 ربيع الأول 1426

الأحد 1 مايو 2005


إن المسيح في القرآن الكريم هو شخص اتصفت أحداث ولادته وحياته ومغادرته لهذا العالم بالاختلاف العجيب والمُـطـّرد بين كل من “ظاهر الأمر” و حقيقته

لقد وصف الرسول الكريم محمد عليه وعلى جميع الرسل والأنبياء الصلاة والسلام- العودة النهائية للمسيح بأنها حدث سيكون فيه الاختلاف بين ظاهر الأمر وحقيقته عجيباً جداً مرة أخرى

وبما أن عودة المسيح سوف تكون مؤشراً على نهاية التاريخ فإن ذلك يعني أن أولئك الذين يتمتعون بالبصيرة هم فقط من سيتمكنون من رؤية “حقيقة” عالمنا اليوم والنفاذ بنور بصيرتهم لرؤية العبودية السياسية والاقتصادية الجديدة التي تلوح في الأفق، والعولمة وإلى آخر هذه الأمور، في الوقت الذي نقترب فيه من تلك النهاية

لقد بدت ولادة المسيح في “ظاهر الأمر” على أنها مرتبطة بارتكاب مريم –عليها السلام- للإثم ولقد كان أولئك الذين يبنون أحكامهم مستندين فقط إلى الملاحظة والمراقبة الخارجية للموضوع (النظرة المادية البحتة) ( كنهج نظرية المعرفة الأوروبية المعاصرة) هم من اقتنعوا بذلك فقاموا بالافتراء عليها و التشهير بها

إن عميان البصيرة دائما يسيؤون الحكم على الناس

كانت الحقيقة هي أن مريم العذراء البريئة قد ولدت طفلاُ بمعجزة وآية إلهية. لقد كان الأجدى بالناس أن تجبرهم بصيرتهم الروحية (الرؤية بالعينين الداخليتين، الرؤيا بالقلب) على التحقق بشكل أكثر عمقاً من المسألة قبل التسرع في إصدار الأحكام

لقد كان الأجدى بهم أن يتوقفوا قليلاً ليسألوا أنفسهم هذا السؤال: لماذا كان على أشهر فتاة فتاة معروفة بأنها الأتقى والأطهر في الأرض، كما أنها غير متزوجة، أن ترجع لقومها من اليهود وهي تحمل طفلها بعد أن نجحت في التواري عن أنظارهم والاختفاء في فترتي الحمل والولادة؟ ولماذا لم تتكلم حتى تشرح لهم اوحتى تدافع عن نفسها عندما سالوها عن الأمر؟ لقد كان ذلك سلوكاً غير طبيعياً

عيسى الطفل حديث الولادة تكلم في المهد. وتكررت معجزاته وتوالت عبر سنين حياته. قال المسيح لقومه في السرد القصصي الوارد في في سورة آل عمران الآية رقم 49 : ” . . . أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ..” وفي تتمة الآية يقول :” إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين”

لقد كان ذلك كله “يبدو” لأعدائه على أنه سحر وكما هو موضح في السرد القرآني لقصة المسيح في مختلف السور فإن الله سبحانه وتعالى كان يؤيده بالروح القدس-الملك جبريل وكانت المعجزات تحدث على يد المسيح بتدخل مباشر من الروح القدس وبأمر إلهي من الله تعالى

وأخيراً فقد رسم لنا القرآن الكريم مشهد صلب المسيح وبأن الناس قد صدقوا بأنه صُلب لأنهم رأوه بأم أعينهم مصلوباً أمامهم. وفي تلك الأثناء كان أعداؤه يتباهون ويتبجحون قائلين ” إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله” لقد كان هناك نوع من السخرية والتهكم في ذلك الإدعاء المتبجّح لأنهم كانوا في الأساس قد رفضوا دعوته لهم كرسول من الله ورفضوا الاعتراف بكونه المسيح رسول الله

وتابع القرآن الكريم الوصف للمشهد “الحقيقي”، والذي كان مختلفاً إلى حد كبير عن ما كان “ظاهراً لهم خارجيا”، لقد أكد القرآن الكريم صراحة في مواضع متعددة من عدة سور أنهم لم يقتلوه: “وما قتلوه وما صلبوه” ، “وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك إلي ورافعك إليّ”، “ولكن شُبه لهم” أي أن الله جعل الأمر يبدو وكانهم صلبوه وقتلوه ولكن الحقيقة كانت غير ذلك، وأخيراً ” بل رفعه الله إليه”

تعليق: يفسر الشيخ عمران كلمة متوفيك بمعنى آخذك عندي لبعض الوقت، بينما كلمة الموت فهي الكلمة الواردة في القرآن الكريم والتي تعني أخذ الروح وعدم عودتها

إن معظم علماء المسلمين اليوم يؤولون ما ذكر أعلاه على أن الله تعالى قام بوضع شخص آخر محل المسيح، وأن ذلك الشخص قد صُلب، أنا أختلف معهم في الرأي، وبدلاً من ذلك أقوم بتأويل هذه الآيات على النحو التالي

لقد أخذ الله تعالى روح المسيح مؤقتاً، وبعدما تم إنزال جسده عن الصليب للدفن، وبعد أن تم دفنه في المغارة وإغلاقها حينئذ أعاد الله تعالى إليه روحه ورفعه إليه (روحاً وجسداً)، وهكذا فإنه لم يمر أبداً بتجربة الموت (وليست كلمة الوفاة بل الموت) وهي حالة أخذ الروح وعدم عودتها

وبما أن كل نفس ذائقة الموت كما أبلغنا القرآن الكريم فإن ذلك يدلل على أن المسيح عليه السلام يجب أن يعود لعالمنا في أحد الأيام وبعدها يموت كما يموت باقي البشر

في المقال القادم إن شاء الله سوف نعاين “الحقيقة” و”ظاهر الأمر” في حدث عودة المسيح